صوت عدن /جنيف/خاص : 

قالت منظمة سام للحقوق والحريات إن اليوم الدولي لمساندة ضحايا التعذيب يشكل فرصة حاسمة للوقوف مع المعاناة التي يواجهها الضحايا في اليمن، حيث تستمر الانتهاكات الجسيمة في تجاوز كل الخطوط، إن السياق اليمني يشهد تفاقمًا خطيرًا في أنماط وأساليب التعذيب، تجاوزت في كثير من الحالات حدود المعاملة اللاإنسانية إلى ممارسات ممنهجة ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية. 
وأضافت أن ما يجري داخل السجون الرسمية وغير الرسمية من انتهاكات مروعة يعكس واقعًا مظلمًا لمئات المعتقلين، في ظل إفلات شبه تام من العقاب، مشددة على ضرورة فتح تحقيقات عاجلة وشفافة بإشراف دولي مستقل، تطال جميع الأطراف المتورطة في جرائم التعذيب، تمهيدًا لمساءلتهم قضائيًا وضمان عدم إفلاتهم من العقاب، باعتبار ذلك خطوة أساسية نحو إرساء العدالة وتعويض الضحايا.
وبينت المنظمة أن مئات المعتقلين يقبعون في سجون غير القانونية لا تخضع لأي إشراف قضائي، مما يحول دون محاسبة من يرتكب الجرائم ضد المحتجزين، مؤكدةً أن شبكة السجون السرية انتهكت بشكل ممنهج مواد القانون اليمني (قانون الإجراءات الجزائية، خاصة المواد 179 و263–264 من القانون رقم 12 لسنة 1994 المتعلقة بمنع التعذيب والمعاملة القاسية).
وثّقت منظمة سام للحقوق والحريات 99 حالة تعذيب في اليمن خلال 2024 ضمن إجمالي 3472 انتهاكًا موثقًا، ومن بين الممارسات الممنهجة للقتل خارج نطاق القانون في عام 2024، قُتل 18 شخصًا تحت التعذيب. وسلط التقرير الضوء أيضًا على التعذيب حتى الموت كممارسة مثيرة للقلق رافقت المحاكمات غير العادلة، وخاصة في سجون الحوثيين، حيث عُثر لاحقًا على جثث بعض المعتقلين، بمن فيهم الجرحى والمختفين قسرًا.
وأشارت إلى أن التقارير الصادرة عن منظمات دولية وثّقت سلسلة من جرائم الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري ضد موظفي الأمم المتحدة والعاملين في المنظمات غير الحكومية، حيث أُخفي قسرياً ما لا يقل عن 17 موظفاً منذ مايو 2024، ونشر الحوثيون اعترافات مزيفة استخدمت تعذيباً للحصول عليها، مع تسجيل وفيات داخل مراكز الاحتجاز، مضيفةً أن فريق خبراء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة المعني باليمن، أكد في تقرير نشره عام 2023، أن السجناء المحتجزين لدى الحوثيين يتعرضون لتعذيب نفسي وجسدي ممنهج، بما في ذلك الحرمان من الرعاية الطبية لعلاج الإصابات الناتجة عن التعذيب، وهو ما أدى إلى إصابة بعض السجناء بحالات عجز دائم ووفيات.
وذكرت سام أن محتجزين في عدن بمن فيهم صحفيون ونشطاء، تعرضوا خلال العام 2024  لتعذيب يشمل الصعق بالكهرباء، التقييد الطويل، الإيهام بالإعدام، كما رُفض عنهم العلاج الطبي، ضمن مرافق احتجاز رسمية وغير رسمية مثل دار سعد في عدن والسجون السرية المدعومة من الإمارات، كما تعرض 38 معتقلًا للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة لانتزاع “اعترافات” منهم بالإكراه، والذين حُكم عليهم لاحقًا بالإعدام بتهم ملفقة بالتجسس، بعد إخفائهم قسرًا لمدة تسعة أشهر على يد سلطات الحوثيين في صنعاء. 
ولفتت المنظمة إلى أن المهاجرين الأفارقة العالقين في اليمن يعانون من عنف "مروع ووحشي"، على يد الأطراف المتصارعة حيث يتعرضون لانتهاكات تشمل أشكال الإساءة القتل، التشويه، الاختفاء القسري، الاعتقال التعسفي، التعذيب، والعنف الجنسي. ويتهم المهربون على جانبي مضيق باب المندب أيضًا بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، على سبيل المثال، احتجز مهربون الضحايا كرهائن وعرضوهم للضرب والترهيب والانتهاك، وتعرضت بعض النساء للاغتصاب، وبعد وصولهم إلى اليمن، واجه المهاجرون المزيد من الإساءات، حيث شاهدوا أشخاصًا يموتون بسبب الجوع وسوء المعاملة على يد من وعدوهم بالأمان.
وقالت سام إن حالات التعذيب التي تم توثيقها خلال فترة الصراع كشفت عن منهجية قاسية تتبعها الأطراف المتصارعة، حيث يتعرض المعتقلون في مراكز الاحتجاز لإيذاء جسدي ونفسي متعمد ومستمر، وتشمل صور هذا التعذيب الضرب المبرح بشتى الأدوات، وإجبار الضحايا على الوقوف المنهك لساعات طوال قد تصل إلى يوم كامل، وتقييدهم وتغطية عيونهم، وحرمانهم من أبسط مقومات الحياة كالماء والطعام والدواء وضوء الشمس، كما يُدفعون قسراً إلى ظروف احتجاز لا إنسانية في زنازين موبوءة وضيقة، منوهةً إلى أن تبعات هذه الأعمال لا تقتصر على الألم المباشر للضحايا، بل تمتد لتغرق عائلاتهم في دوامة من القلق المزمن والصعوبات المالية، وهم يكافحون للحصول على أي معلومة عن مصير ذويهم.
وشددت سام للحقوق والحريات على أن استمرار هذه الانتهاكات يُعد جريمة ضد الإنسانية وفقًا لمبادئ القانون الدولي، الذي يؤكد صراحةً على أن التعذيب ممنوع مطلقًا، وأن “لا استثناء في زمن الحرب في منع التعذيب”، محذرةً من أن غياب الرقابة القضائية والفصل بين السلطات يشجع على إفلات الجناة من العقاب.
ودعت سام إلى فتح تحقيقات شفافة، نزيهة ومستقلة في كافة انتهاكات التعذيب التي وقعت في السجون ومراكز الاحتجاز، سواء الرسمية أو غير الرسمية، ومساءلة المسؤولين عنها وفقًا للمعايير الدولية للمحاكمات العادلة. وأكدت ضرورة تفعيل النصوص القانونية الخاصة بالتعويض ورد الاعتبار للضحايا، لا سيما ما ورد في المادة (14) من اتفاقية مناهضة التعذيب، التي تنص على حق كل ضحية في الحصول على إنصاف عادل وفعّال، يتضمن التعويض المناسب وإعادة التأهيل النفسي والاجتماعي.
وطالبت المنظمة كافة الأطراف في اليمن، بوقف الاعتقالات التعسفية فورًا، وإغلاق جميع مراكز الاحتجاز غير القانونية التي لا تخضع لإشراف النيابة العامة أو القضاء، لما تشكله من بيئة خصبة لارتكاب جرائم التعذيب والاختفاء القسري، كما شددت على أهمية ضمان مثول أي محتجز أمام جهة قضائية مستقلة خلال مدة لا تتجاوز 48 ساعة من توقيفه، وتمكينه من حقه في الدفاع والاتصال بعائلته، وتوفير تمثيل قانوني له، بما يتوافق مع أحكام الدستور اليمني وقانون الإجراءات الجزائية.

كما حثت منظمة سام المجتمع الدولي، ولا سيما الأمم المتحدة ومجلس الأمن، على مضاعفة الضغوط الدبلوماسية والحقوقية على الأطراف المنخرطة في النزاع باليمن، لضمان امتثالها لالتزاماتها الدولية، والتعاون الكامل مع آليات التحقيق والمراقبة، وأوصت بإرسال بعثة تقصي حقائق محايدة إلى اليمن، تكون مهمتها التحقق من أوضاع السجون، وخاصة السرية منها، ورصد حالات التعذيب وتوثيقها، تمهيدًا لمحاسبة مرتكبيها، وفقًا للقانون الدولي.